الضغوط النفسية نوافذ على الأمراض العضوية ) جريدة البيان 2009)
أكدت الدكتورة إيمان العماري الأخصائية الإكلينيكية للاستشارات الأسرية والزوجية في مركز فن الاستشارات الأسرية بدبي أن المجتمعات تمر في عصرنا الحالي، عصر الانفتاح، أو ما يعرف بعصر القلق وتناقضات الحياة بمشاكل وأزمات معقدة تهدد كيان الأسر وتزلزل قيم ومفاهيم الاستقرار النفسي لديها، مشيرة إلى أن ازدياد حدة المشاكل على اختلاف أنواعها يعتبر احد أهم أسباب ظهور الأمراض النفسية ومن ثم الصحية العضوية لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمعات.
وقالت في حوار لها مع «البيان» إن العديد من الدراسات الأمريكية الموثقة أكدت أن الضغوط النفسية المزمنة لها علاقة وثيقة بالأمراض الصحية، كبعض أنواع السرطانات، داعية إلى تدريب النفس على الخروج من أي مشاكل نفسية قد تؤثر على تركيب الخلايا والتفاعلات البيولوجية المختلفة في الجسم.وأضافت أن المشكلة الأساسية هي اعتبار البعض أن المرض أو الأزمة النفسية عار يجب إخفاؤه وتجاهله، فتكون النتيجة أن يتأزم الوضع أو الضغط النفسي عند الفرد مما يؤدي به إلى القيام بأعمال لا تحمد عقباها مثل تجاهل المسؤوليات والانحراف أو الطلاق كمحاولة للهروب من المشكلة بدل التعامل معها وإيجاد حل لها.
وفيما يلي نص الحوار:
ما أهم المشكلات الأسرية التي افرزها غياب دور الوالدين في تربية الأبناء؟
الأسرة بلا شك باتت مهددة ولم تعد متماسكة كما كانت في السابق وذلك لتداخل العديد من الأسباب منها الاقتصادية كخروج الأم إلى العمل، والاجتماعية كالانفتاح على الآخر دون ضوابط، مشيرة إلى أن المشاكل الأسرية تنتشر بين الأسر الخليجية شأنها في ذلك شأن كثير من دول العالم، مع تفاوت حدة المشكلة من بلد لآخر، حيث اختلفت تركيبة الأسر النفسية متأثرة بعدة أسباب منها أسباب اجتماعية وثقافية وأسباب أخرى نفسية ومادية.
أما الأسباب الاجتماعية فمنها واقع العولمة وظاهرة اختلاط الثقافات، بالإضافة إلى ارتفاع سقف حرية الأبناء وانحسار سلطة الوالدين عليهم، إضافة إلى ضغوط ومتغيرات الحياة في الوقت الحالي والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى عمل الأم والأب معا، وبقاء الأم خاصة خارج المنزل لفترة ليست بالقصيرة مما يؤدي إلى قصور في أداء واجباتهم مع الأبناء خاصة وإن أستمر الوضع لمدة زمنية طويلة. فينتج عن ذلك استقلال غير صحي بين أفراد الأسرة الواحدة وعدم مشاركة البعض في قرارات وتصرفات بعيدة عن رقابة وتوجيهات الأم والأب، فينشأ عن ذلك انحرافات في التفكير والسلوك خاصة عندما تكون المؤثرات الخارجية سلبية، مشددة على أن الوالدين يمثلان الرادع القوي والعقاب والدعم الإيجابي والاستقرار النفسي للأبناء.
الأسباب الثقافية
وماذا عن تأثير اختلاف العادات وانعدام لغة الحوار بين الزوجين؟
تتمثل الأسباب الثقافية المؤثرة في الاضطرابات النفسية في اختلاف العادات والتقاليد وعدم توافق الأفكار والميول والاتجاهات والتزمت بالرأي وانعدام لغة الحوار بين الزوجين وبين أفراد الأسرة وتجاهل أهميته في عملية بناء الأسرة لمواجهة ضغوط ومشاكل الحياة.
وقد أثبتت الدراسات العلمية أن قلة وعي أفراد الأسرة بأهمية التواصل والحوار الأسري والتقليل من شأنها يخلق جوا خاليا من الحميمية والشفافية، واختلالا في توازن الأسرة وتشتت الأدوار وظهور المشاكل.
ولا شك أن فقدان أو تلاشي العلاقة العاطفية والمودة والمحبة بين الزوجين وتركيز العلاقة الأسرية على توفير أساسيات الحياة اليومية كمأكل ومشرب والاحتياجات الزوجية المتوقعة فقط، دون التركيز على أساسيات تطور الأسرة تطورا نفسيا صحيحا يجعل العلاقة الزوجية تتسم بالفتور وبالنفور من مواجهة الالتزامات المفروضة بين الزوجين تجاه الآخر و تجاه الأسرة، ومن ثم يبدأ البرود بين الزوجين ويمتد إلى الأبناء بطرق مباشرة وغير مباشرة، فيؤدي إلى تزايد المشاكل والانفعالات والنزاعات المتكررة والمبالغ فيها في معظم الأوقات، كما أن عدم التوافق بين الأدوار المتوقعة من أفراد الأسرة عامة يشمل الاختلاف في أساليب تربية الأبناء واتخاذ القرارات الفعالة في إدارة شؤون الأسرة.
الأسباب المالية
وما تأثير الأزمة المالية على استقرار الأسر؟
إن قلة الموارد المالية تؤدي إلى عدم تلبية جميع متطلبات الأسرة، فتزداد بالتالي الضغوط على رب الأسرة مما يضطر الأم للخروج إلى العمل لتوفير المادة وما يتبعه من انشغالها عن الاهتمام بشؤون أسرتها.
كما أن الأزمة الاقتصادية الراهنة أضافت ضغوطا متزايدة على الوضع العام للأسرة، خاصة الأسر المتضررة من الوضع مما أدى إلى تعريض بعض الأسر إلى هزات قد تكون عنيفة تحطمها وتشتت أفرادها.
دور علم النفس
كيف يساعد علم النفس الإكلينيكي الأفراد في التصدي لمشاكل العصر مع ازدياد وتيرتها وكثرتها؟
أود أن أذكر بأن علوم النفس المختلفة، كعلم النفس الإكلينيكي، تقدم خدمات تعنى بالحالات النفسية للفرد وتساعد في تهيئته للتصدي للمشاكل التي يواجهها جميع أفراد المجتمع، الأصحاء وغير الأصحاء، بهدف مساعدة ألنفس البشرية للعيش بحياة أقل قلقا وأكثر سعادة واطمئناناً خاصة وأن الدراسات العالمية قد أثبتت فعالية علم النفس والاستشارات النفسية لمواجهة ضغوط الحياة المضنية.
وإن للعلاقات الإنسانية جوانب مهمة لابد من التعرف عليها بمساعدة المختصين لتطويعها بما يعود على الفرد بالنفع في جميع مجالات الحياة ودعت من يجد نفسه في حالة نفسية غير سوية إلى طلب الاستشارة اللازمة والمساعدة من قبل الجهات المختصة، وعدم التظاهر بعدم و جود المشكلة أو التمسك باعتقادات خاطئة مثل أن يعتقد البعض بأن الزمن كفيل بحل أو إخفاء المشاكل مع الوقت، أو عندما يكبر الأبناء وتتغير الأحوال. أضف إلى ذلك ضرورة تثقيف الفرد والأزواج والمعنيين عن طريق الدورات اللازمة أو استشارة المختصين بالأمر، والتنظيم والتخطيط البسيط لمواجهة مشكلات وضغوط الحياة إن وجدت وتفهم الفرد لمسؤولياته وقدراته وتحمل نتائج قرارات مصيرية قبل اتخاذها في حق الفرد أو الأسرة.
موقع إلكتروني لنشر الثقافة النفسية في المجتمع
لديكم موقع الكتروني ماذا يتضمن وما الخدمات المتوقع أن يحصل عليها المتصفحين له ؟
يهتم الموقع الالكتروني ww.afccdubai.com
بتعريف متصفحيه بالخدمات التي يوفرها المركز من استشارات أسرية، زوجية أو فردية، كما يهدف للمساهمة في توعية المتصفح عن طريق نشر الثقافة النفسية عامة بين الزائرين، وتصحيح مفهوم الاستشارة النفسية خاصة لدى البعض، بالإضافة إلى تصحيح اعتقادات خاطئة أو غير دقيقة عن دور الأخصائي النفسي أو الأسري إن وجدت، كما يهدف الموقع لتوفير قسم يعنى بالإجابة عن بعض الأسئلة، أو الاطلاع على معلومة ما.
وما الحالات التي تتردد على المركز وما أكثر الأمراض شيوعا في الدولة بشكل خاص وفي الوطن العربي بشكل عام؟
من أكثر الأمراض شيوعا في الخليج عامة الشعور بالإجهاد والقلق، إضافة إلى الإحساس بالاكتئاب والتقلبات المزاجية، والشعور بالتوتر واضطراب العلاقات الأسرية والاجتماعية، وحدوث حالات طلاق مبكر لأسباب يمكن حلها أحيانا إذا ما تم توجيه أصحابها من قبل اختصاصيين بشكل سليم، كما أن أكثر الحالات الحالية التي تتردد على المركز هي الخلافات الزوجية التي تؤثر سلبا على التصرفات والحالات النفسية.
جيل متوازن
كيف لنا أن ننشئ جيلا متوازنا نفسيا وصحيا في ظل التغيرات الجمة التي تشهدها الأسر؟
أمام الواقع الذي ذكر لابد لنا وللمعنيين ولأرباب الأسر من استثمار العلوم الحديثة وتطويع أوجه التطور لتتلاءم مع عاداتنا العربية الخليجية التي لها سمة خاصة ومع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف لإعداد أجيال واعدة قادرة على تحمل المسؤولية وقيادة دفة التطوير وخدمة أنفسها ومجتمعاتها في مسيرة التقدم والرقي المدروس ومواكبة الغرب دون أي تضارب.
أمراض العصر هل هي صحية أم نفسية وبشكل أدق هل تتحول الأمراض النفسية إلى أمراض عضوية؟
تمر المجتمعات الخليجية في عصرنا الحالي، العصر الالكتروني، أو ما يعرف بعصر القلق وتناقضات الحياة بمشاكل عديدة وأزمات معقدة تهدد صحة وسعادة أسرنا، وتزلزل قيم ومفاهيم الاستقرار النفسي لدينا، فقد أفرزت الحياة العصرية الحديثة تنوعاً كبيراً وحداثة في أساليب الحياة والتربية والمعيشة بالرغم من ايجابيات هذه المستجدات عند استخدامها بشكلها السليم والمفيد.
فإن لها سلبيات ضارة جدا عند إساءة استخدامها كظهور المعاناة النفسية والجسدية لعدم قدرة البعض على مواجهة التطورات الدائمة فاستوجب ذلك في كثير من الأحيان مراجعة المستشفيات والعيادات طلبا للتداوي والعلاج وسعيا لإيجاد الاستقرار النفسي.. حيث أشارت العديد من الدراسات الأمريكية الموثقة إلى أن الضغوط النفسية المزمنة لها علاقة وثيقة بالأمراض الصحية.
الانفتاح على الآخر دون أي ضوابط أو آليات هل زاد من حدة المشاكل الاجتماعية والأخلاقية؟
الانفتاح على الثقافات الأخرى من أهم أسباب الرقي والتقدم الحضاري شرط أن يعي أي مجتمع أن لا يمس التواصل مع الآخر بثوابتنا والأخذ منهم ضمن ضوابط ومعايير للاستفادة من كل ما هو مفيد، ونبذ ما هو دخيل ومناف لعادات المتلقي النفسية والاجتماعية والثقافية.
وإن أهم النقاط الأساسية لبناء مجتمع صحي وسوي هو توعية المجتمع والأسر العربية والخليجية بثقافة التربية النفسية الصحية لخلق أفراد معتدلين، وإعداد دورات للشباب والشابات المقبلين على الزوج لتنمية حس المسؤولية قبل الزواج لديهم، بالإضافة إلى دورات لمن يود فهم وبناء علاقة زوجية وأسرة صحية وسليمة نفسيا بعد الزواج. فكل هدا سيساعدنا على إعداد جيل وأجيال قادرة على الاختلاط مع ثقافات أخرى بهدف اكتساب التطور المدروس وعدم التأثر بمؤثرات دخيلة على مجتمعاتنا المحافظة، وعدم خلط هوية المجتمع الأصلية بما حولها من ثقافات وعادات دخيلة، بالإضافة إلى تصحيح مفهوم المدنية الصحيحة عند أسرنا وأبنائنا وبناتنا.